المحاظر القرآنية.. إشراقة أمل في مثلث الأمل |
الاثنين, 20 يناير 2025 09:28 |
إنها تسابق الزمن لتلحق بموعد الحصة القرآنية في المحظرة قبل أن يبدأ الدوام المدرسي،Â إنها الطريقة المعتمدة في عديد القرى للجمع بين تحفيظ القرآن والاستفادة من برامج المدارس الحكومية... في رحاب المحظرة تجلس فاطمة القرفصاء وهي تحتضن لوحها الخشبي بين العشرات من أترابهاـ فيما ينتظم الأولاد في صف مقابل، وتصدح حناجر الجميع بآي الذكر الحكيم، وقرآن الفجر إن قرآن الفجركان مشهودا.. Â فيما اقتعد الشيخ سيدي محمد مقعدا غير بعيد وهو يراقب بحرص ويصغي بانتباه لتصحيح أي خطأ في التلاوة، وتنبيه أي متهاون في تسميع حصته اليومية، أو مقصر في الالتزام بآداب الكتّاب..يحمل عصا للتهييب والتخويف، دون اللجوء للضرب، فجمعية البركة تحظر الضرب وتعتبره خارج السياق وغير مقبول في محاظرها الممتدة، بطول وعرض آدوابه في ولايات النهر، من لبيرد، إلى كوب، ومن بلتيه إلى مقامت ومات.. تقول فاطمة إنها تخفظ الآن أزيد من عشرين جزاء من القرآن الكريم تتعهد تسميعها كل مساء على الشيخ بعد انتهاء الدوام المحظري، وتزجي الشكر للقائمين على هذا الجهد الذي لم يرفع من نسبة تمدرس البنات فحسب بل أيضا من مستويات تلاميذ المدرسة الذين يتلقون مبادئ التهجي والقراءة في المحظرة وهم لا زالوا في سن الحضانة... بدء الدوام المدرسي غير بعيد يتأهب من حضروا مبكرا في الهزيع الأخير من الليل للعودة إلى أسرهم بعد ما أنهوا حصة حفظهم الصباحيÂ وحان موعد العودة إلى البيوتÂ لتناول ما وجد من وجبة الإفطار، ثم التوجه إلى المدرسة لتلقي المواد المقررةÂ في أيام الدراسة لمن همÂ منتسبون للمدرسة، بينما تواصل البقية الباقيةÂ الحفظ والتكرار في المحظرة القرآنية كل الأيام، ما عدا الخميس والجمعة. امبارك يوفر الخبز للقرية، التي لا تتوفر على كهرباء، ولذلك يعتمد في صناعة الخبز على فرن بسيط أو موقد للحطب بطريقة المخابز التقليدية، ومع ذلك يقوم بجهد كبير في توفير مادة الخبز التي تعتبر عنصرا أساسيا في وجبة الإفطار. وعلى خلاف المحظرة يدرس طلاب المدرسة Â بين جدران أربع، ومن طرف مدرس متمدرس، وبرنامج معتمد. مبادرة رائدة.. ومحظرة مباركة.. إلى سنوات قليلة يقول امبارك ولد اهويبلÂ لم يكن بقريتناÂ أي كتّاب لتحفيظ القرآن الكريم، وكان أداء المدرسة متعثرا بفعل عزوف السكان عن إلحاق أطفالهم بالمدرسة، وحداثة عهدهم بالتعلم حيث ترتفع معدلات الأمية الأبجدية بين سكان القرى الواقعة ضمن نطاق ما بات يعرف بالمناطق الأكثر فقرا في موريتانيا،واصطلح على تسميته بمثل " الأمل " أو الفقر. وما زال السكان يتذكرون تلك المبادرة الرائدة التي تقدمت بها جمعية البركة لإنشاء محظرة نموذجية في قريتهم، فلم يكونوا يدركون حينهاÂ ما خطه القدر لهم، وحجم التحول الذي سيطبع حياتهم بعد سنوات من هذا الإنجاز كما يقول الوجيهÂ أمبارك ولد اهويبل وعبارات الإطراء والثناء لا تكاد تفي بما يعتمل بين جوانحه من مشاعر الشكر والامتنان للقائمين على الجمعية و المحظرة. فقبل سنوات قليلة- على حد تعبيره- لم يكن بالقرية من يفك الحرف أحرى من يحفظ سورا من القرآن، أما اليوم وبتوفيق من الله ومتابعة وجهد من الخيرين في البركة هناك من تجاوزا فيÂ الحفظ 20 جزءا، من القرآن،Â Â وهناك من همÂ دونÂ ذلك أو أكثر، فكانت المحظرة رافد حيويا لجهود المدرسة فيما ارتفعت نسبة التمدرس والنجاح في الشهادة الابتدائية. مشروع دار السلام النموذجي إلى جانب المحظرةÂ التي تدير جمعية البركة محاظر نموذجية في مناطق الضفة بالجنوب الموريتاني، وتعتمد طريقة تشاركية مع السكان لمواكبة عمل المحظرة، وتنظم زيارات مقننة ومدروسةÂ للاطلاع والمواكبةÂ تختبر خلالها تحصيلÂ التلاميذ، وجدية المدرس، ومستوى وفاء الساكنة بالتزاماتهم نحو المدرس والمحظرة كما يقول Â الشيخ محمد الأمين ولد أجاه، أحد قادة الجمعية. وفي المقابل يشيد الشيخ بإقبال سكان القرىÂ على المحاظر، وتفانيهم في التحصيل ومحاربة الجهل والأمية بدليل الإقبال المنقطع النظير على خدمات المحاظر. Â ولمواكبة ومكافأة هذا الجهد، باشرتÂ الجمعية خلقÂ بعض الأنشطة التنموية لخدمة السكان بما في ذلك استفادة قريةÂ بلتيه إلى الجنوب من مدينة مال،Â من مشروع متكامل باسم مشروع دار السلام، يتضمن مزرعة نموذجية بها أكثر من 130 من الأشجار المثمرة، وتمليك بعض الماعز ل30 أسرة متعففة، و كذا مجموعة من الدجاج، ضمن بعض التحسينات التي نفذت لصالح ساكنة القرية، مثل تحسين مضخة البئر ورفعÂ عدد ألواحÂ Â الطاقة المستخدمة في البئر من 20 إلى 32 لوحا لتحسين ضخ الماء، وإنارة المسجد والمحظرة. وشملت المزرعة النموذجية الطاطم و الباذنجان والبصل والخيار..، كل ذلك بهدفÂ تحسين الظروف المعيشية للساكنة. قبل شهر من الآن تم تركيب نظام للري بالتقطير لسهيل عملية الري. وزارهم في هذه الفترة مهندسون زراعيون بصورة متكررة،Â كما زارهم دكتور بيطري لتحسين وعي السكان بالآفات الزراعية والأمراض التي تستهدف الحيوانات، وترتب على ذلك توفير الأدوية الضرورية للماعز والدجاج. ومن المتوقع أن تحصدÂ القرية ثمرة الجد من التمور من النخيل المستجلب من خيرة نخيل ولاية آدرار.. فهل ينبت الخطي إلا وشيجه.. كما يتوقع أن تثمر أشجارالموز والتين والرمان وغيرهم من الأشجار المثمرة.. المحظرة القرآنية المجاورة لمشروع دار السلام تابعة لجمعية البركة، وقد أينع ثمرها المبارك شبابا من الجنسين يتغنون بالقرآن.. وعشرات الأطفال الذين تقدموا في الحفظ. بعد سنوات من الجهدÂ حفظت النورةÂ وبعض الشباب من أبناء بلتيهÂ القرآن الكريم إلى جوار مشروع دار السلام النموذجيÂ الذي لم يمض على تأسيسه أكثر من سنة، خلافا للمحظرة.. مع تزايد الإقبال على المحاظر تزدادÂ Â التحديات المطروحة لاستمرار عطائها بما في ذلك الموارد المالية، وتقارب زيارات التفتيش والمواكبة الدامة يقول الشيخ محمد الأمين. ![]() Â Â Â |